من أكبر الجرائم التي ترتكبها الدول الكبري في حروبها ومعاركها التي تقوم من خلالها بتدمير الدول التي تخالفها الرأي هو الحديث عن إعادة إعمار هذه البلاد في الوقت الذي لازال الخراب والدمار قائما فيها، فروسيا التي شاركت في تدمير الجزء الأكبر من سوريا سواء بالقصف المباشر من طائراتها بعد احتلالها سوريا في العام 2015 أو عبر دعم النظام السوري قبل ذلك، طلبت في شهر فبراير الماضي من القوى الكبرى إعادة إعمار سوريا، وقالت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في عددها الصادر في 23 فبراير الماضي إن روسيا تطلب من القوى الدولية تقديم مليارات الدولارات من أجل إعمار سوريا، والعجيب أن روسيا التي لم توقف عملية التدمير حتى الآن تضع في كل المباحثات سواء التي تجري في جنيف أو أستانة جمع الأموال من أجل إعادة الإعمار على جدول الأعمال، ولأن التقديرات الأولية لإعادة الإعمار تشير إلى أن التكلفة قد تزيد على مائتي مليار دولار، فقد فتح هذا الأمر شهية الشركات العالمية للحصول على جزء من الكعكة التي لا يعرف أحد حتى الآن من الذي سيدفع ثمنها هل الذين قاموا بالتدمير؟ أم الذين كانوا شهودا على التدمير ووقفوا صامتين؟ أم الدول الخليجية التي عادة ما يتم ابتزازها في مثل هذه الأمور؟ وإذا كان الحديث عن عملية إعمار المباني ماذا عن الآثار التاريخية التي هدمت والتي بنيت منذ آلاف السنين؟ وماذا عن المعمار الحضاري للحضارات المختلفة التي توافدت على الشام خلال القرون الماضية؟ هذا بالنسبة للمعمار، لكن الأهم من كل ذلك، هو الإنسان كيف سيتم إعادة بناء الإنسان السوري الذي دمرت الحرب والنظام كل أركانه؟ وبحاجة إلى جيل أو جيلين على الأقل من البناء النفسي والديني والتعليمي والثقافي والحضاري؟ وهذه أكبر كارثة حلت بالشعب السوري، وهي تدمير الإنسان، وكيف يتم الحديث عن الإعمار بينما المخربون لا زالوا يحكمون ويمارسون التخريب بكل أشكاله.. وكل يوم يتم الكشف عن جرائم بشعة ارتكبوها ويرتكبونها بحق الإنسان السوري منذ ما يزيد على اربعين عاما؟
وإذا صدقنا أن هناك خطة إعادة إعمار حقا، فقد سبق للأميركان ان تحدثوا عن خطة إعمار حينما قاموا بغزو الصومال بداية تسعينيات القرن الماضي ولازال الصوماليون مشرودين وتفتك بهم الحروب، وكذلك الأفغان، من قبل أعلن عن خطة إعادة إعمار إبان الاحتلال السوفياتي ثم إبان الاحتلال الأميركي ولازالت أفغانستان حتى الآن وشعبها بين الخراب العمراني والخراب الإنساني، أما العراق فقصتها شاهد على أكذوبة إعادة الاعمار، حيث دمر الأميركان كل شيء فيها ولازال التخريب مستمرا في العراق حتى الآن، دون أن يتم إعادة بناء طوبة واحدة أو إصلاح حال إنسان واحد، بل إن التخريب يحيط بأكثر من ستة أجيال ومن ثم فإن جرائم الحروب التي ارتكبها الأميركان والروس والإيرانيون في المنطقة لا يمكن إعادة إعمار آثارها على الاطلاق إلا بعد توقيف التخريب القائم أولا ومحاسبة المخربين وكل ما عدا ذلك ليس سوى أكاذيب للاستهلاك وتخدير الشعوب.
بقلم : أحمد منصور
Comments
Post a Comment