ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس الأربعاء الفائت، الكلمة السنوية المعتادة، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولعل جزءا من أهميّة الكلمة يوضّحه التغييب الكامل لفلسطين في كلمة الرئيس الأمريكي.
في كتابه، "حياتي من النكبة إلى الثورة"، يروي نبيل شعث، دكتور الإدارة والتخطيط، الذي ترك التدريس في جامعة بنسلفانيا المرموقة، العام 1965، ليكون بجانب العرب في مشروع النهضة، وجزءا من حركة التحرر الوطني الفلسطيني، الذي صار لاحقا، صاحب أحد أبرز شركات الاستشارات والتدريب العربية (تيم)، وأصبح عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" قصّة أول خطاب فلسطيني في الأمم المتحدة.
كان شعث في السادسة والثلاثين من عمره، مديرا لمركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بيروت، عندما استدعاه قائده ياسر عرفات، وطلب منه الذهاب للولايات المتحدة الأمريكية، ليعمل على تأمين دعوة له لحضور الجمعية العامة، وللتمهيد لاستصدار قرارات دولية لصالح فلسطين. ولم يكن قد مضى عامان على مرور شعث بعملية صعبة للحصول على تأشيرة أمريكية. ولكن هذه المرة تقرر السفر بجواز سفر دبلوماسي، فعرضت دول عربية عدّة جوازها، ليختار التونسي.
كانت سمعة الأمم المتحدة بين الفلسطينيين سيئة، فتردد شعث بقبول المهمة. فضلا عن هذا كان العالم بعد عمليات فلسطينية مُسلّحة عنيفة، بدءا من خطف الجبهة الشعبية للطائرات، وصولا لعملية "فتح" في ميونيخ في الألعاب الأولمبية، قد ألصق بالفلسطينيين تهمة الإرهاب.
مع وصوله كتبت وسائل الإعلام اليهودية الأمريكية، أن "ممثل الإرهاب الفلسطيني"، ورجال الإرهاب آتون. ونام شعث في بيت ابن خالته، ليتم اقتحامه وتفتيش الحقائب في غيابهم، فيما يبدو إنذارا. وهاجمت مجموعة من "فرقة الدفاع اليهودية" مكتب منظمة التحرير في نيويورك وضربوا العاملين فيه.
عَمل مع شعث فريق من المتطوعين الأكاديميين والناشطين العرب والفلسطينيين، من مكتب جامعة الدول العربية. وأنجزت المهمة المعقدة، بمساعدة السفراء العرب، ووجهت الجمعية العامة دعوة لعرفات، رغم الاعتراض الأمريكي، وعاد شعث لبيروت، لمواصلة الاستعدادات.
عندما عاد لنيويورك ليمهد لوصول عرفات، تنبّه في الطريق للمطار إلى حذائه المهترئ غير المناسب للمهمة الدبلوماسية. وعند وصول نيويورك فوجئ الركاب برجال الأمن الأمريكيين يقتحمون الطائرة ومعهم صورة، من مجلة، لشعث. ووجدوه في الدرجة السياحية، وحملوا حقيبته التي حملها على الطائرة وكُسرت يدها. وضعوه وسط دهشته، بسيارة ليموزين مصفّحة، وصحبوه للفندق، من شوارع أغلقت لحمايته. وعندما وضع الحذاء لتنظيفه عند باب الغرفة، ظن الفندق أنّه يريد رميه، فرموه. فاصطحبه الأمن حافيا، لشارع أغلق خصيصا، ليشتري حذاء.
رجا شعث ومن معه عرفات حلق لحيته، وارتداء بدلة عسكرية جديدة، جلبها مرافقوه، ففعل. ومرّ بتظاهرة خارج الأمم المتحدة ترحب به، وقدّم خطابه الذي انتهى بعبارة "جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
انفجرت القاعة بالتصفيق لعرفات وبات رمزا ثوريا عالميّا. وجاء كُثر لتهنئته، منهم إيميلدا ماركوس، حرم رئيس الفلبين، وملكة جمال العالم السابقة، التي همست بأذنه. وبعد الوصول للفندق، أسَرّ عرفات لشعث بسر وشوشة إيميلدا، وأنها طلبت أن يزورها في فندقها، فوافق. وأبلغه أنّه سيسافر لزيارة الدول الاشتراكية سريعا، لطمأنتها بشأن استمرار تحالفه معهم. وقال إنّه وافق لأنّها بالتأكيد ستخبر الآخرين أنّه سيزورها، ما يشكل ساترا أمنيّا له، فلا يعرف المتربصون بسفره. وطلب من شعث أخذ باقة ورد، والذهاب للاعتذار، وليبلغها باضطراره للسفر، ويعرف ماذا تريد. وصل شعث بعد كي البدلة الوحيدة، ومعه الورد للفندق، ليجد أن عضو مركزية "فتح" فاروق القدومي، وممثل المنظمة في نيويورك، سعادات حسن، هناك بأناقتهما وبباقتي ورد، أبلغ أبو عمار كلا منهم بسرية المهمة، للتأكد من قيامهم بها، "وليستخدمنا كعادته في الرقابة، بعضنا على بعض"، وبعد الاعتذار، أبلغتهم ماركوس، أمنيتها أن يتوسط عرفات مع ثُوّار المورو المسلمين، في الفلبين ليوقفوا ثورتهم ضد الحكومة.
كانت فلسطين ثورة صاعدة بإمكانيات قليلة، لكن دون خوف، ولم يَحُل الموقف الصلب والثوري، من اعتراف العالم بالفلسطينيين، بل كان هذا، مع نتائج حرب عام 1973، والحظر النفطي العربي حينها، ما جعل العالم يتجرأ ويرفض الهيمنة الأمريكية والصهيونية، ويستقبل عرفات، ويمنح العضوية المراقبة لمنظمة التحرير في الأمم المتحدة.
الغد الأردنية
في كتابه، "حياتي من النكبة إلى الثورة"، يروي نبيل شعث، دكتور الإدارة والتخطيط، الذي ترك التدريس في جامعة بنسلفانيا المرموقة، العام 1965، ليكون بجانب العرب في مشروع النهضة، وجزءا من حركة التحرر الوطني الفلسطيني، الذي صار لاحقا، صاحب أحد أبرز شركات الاستشارات والتدريب العربية (تيم)، وأصبح عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" قصّة أول خطاب فلسطيني في الأمم المتحدة.
كان شعث في السادسة والثلاثين من عمره، مديرا لمركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بيروت، عندما استدعاه قائده ياسر عرفات، وطلب منه الذهاب للولايات المتحدة الأمريكية، ليعمل على تأمين دعوة له لحضور الجمعية العامة، وللتمهيد لاستصدار قرارات دولية لصالح فلسطين. ولم يكن قد مضى عامان على مرور شعث بعملية صعبة للحصول على تأشيرة أمريكية. ولكن هذه المرة تقرر السفر بجواز سفر دبلوماسي، فعرضت دول عربية عدّة جوازها، ليختار التونسي.
كانت سمعة الأمم المتحدة بين الفلسطينيين سيئة، فتردد شعث بقبول المهمة. فضلا عن هذا كان العالم بعد عمليات فلسطينية مُسلّحة عنيفة، بدءا من خطف الجبهة الشعبية للطائرات، وصولا لعملية "فتح" في ميونيخ في الألعاب الأولمبية، قد ألصق بالفلسطينيين تهمة الإرهاب.
مع وصوله كتبت وسائل الإعلام اليهودية الأمريكية، أن "ممثل الإرهاب الفلسطيني"، ورجال الإرهاب آتون. ونام شعث في بيت ابن خالته، ليتم اقتحامه وتفتيش الحقائب في غيابهم، فيما يبدو إنذارا. وهاجمت مجموعة من "فرقة الدفاع اليهودية" مكتب منظمة التحرير في نيويورك وضربوا العاملين فيه.
عَمل مع شعث فريق من المتطوعين الأكاديميين والناشطين العرب والفلسطينيين، من مكتب جامعة الدول العربية. وأنجزت المهمة المعقدة، بمساعدة السفراء العرب، ووجهت الجمعية العامة دعوة لعرفات، رغم الاعتراض الأمريكي، وعاد شعث لبيروت، لمواصلة الاستعدادات.
عندما عاد لنيويورك ليمهد لوصول عرفات، تنبّه في الطريق للمطار إلى حذائه المهترئ غير المناسب للمهمة الدبلوماسية. وعند وصول نيويورك فوجئ الركاب برجال الأمن الأمريكيين يقتحمون الطائرة ومعهم صورة، من مجلة، لشعث. ووجدوه في الدرجة السياحية، وحملوا حقيبته التي حملها على الطائرة وكُسرت يدها. وضعوه وسط دهشته، بسيارة ليموزين مصفّحة، وصحبوه للفندق، من شوارع أغلقت لحمايته. وعندما وضع الحذاء لتنظيفه عند باب الغرفة، ظن الفندق أنّه يريد رميه، فرموه. فاصطحبه الأمن حافيا، لشارع أغلق خصيصا، ليشتري حذاء.
رجا شعث ومن معه عرفات حلق لحيته، وارتداء بدلة عسكرية جديدة، جلبها مرافقوه، ففعل. ومرّ بتظاهرة خارج الأمم المتحدة ترحب به، وقدّم خطابه الذي انتهى بعبارة "جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
انفجرت القاعة بالتصفيق لعرفات وبات رمزا ثوريا عالميّا. وجاء كُثر لتهنئته، منهم إيميلدا ماركوس، حرم رئيس الفلبين، وملكة جمال العالم السابقة، التي همست بأذنه. وبعد الوصول للفندق، أسَرّ عرفات لشعث بسر وشوشة إيميلدا، وأنها طلبت أن يزورها في فندقها، فوافق. وأبلغه أنّه سيسافر لزيارة الدول الاشتراكية سريعا، لطمأنتها بشأن استمرار تحالفه معهم. وقال إنّه وافق لأنّها بالتأكيد ستخبر الآخرين أنّه سيزورها، ما يشكل ساترا أمنيّا له، فلا يعرف المتربصون بسفره. وطلب من شعث أخذ باقة ورد، والذهاب للاعتذار، وليبلغها باضطراره للسفر، ويعرف ماذا تريد. وصل شعث بعد كي البدلة الوحيدة، ومعه الورد للفندق، ليجد أن عضو مركزية "فتح" فاروق القدومي، وممثل المنظمة في نيويورك، سعادات حسن، هناك بأناقتهما وبباقتي ورد، أبلغ أبو عمار كلا منهم بسرية المهمة، للتأكد من قيامهم بها، "وليستخدمنا كعادته في الرقابة، بعضنا على بعض"، وبعد الاعتذار، أبلغتهم ماركوس، أمنيتها أن يتوسط عرفات مع ثُوّار المورو المسلمين، في الفلبين ليوقفوا ثورتهم ضد الحكومة.
كانت فلسطين ثورة صاعدة بإمكانيات قليلة، لكن دون خوف، ولم يَحُل الموقف الصلب والثوري، من اعتراف العالم بالفلسطينيين، بل كان هذا، مع نتائج حرب عام 1973، والحظر النفطي العربي حينها، ما جعل العالم يتجرأ ويرفض الهيمنة الأمريكية والصهيونية، ويستقبل عرفات، ويمنح العضوية المراقبة لمنظمة التحرير في الأمم المتحدة.
الغد الأردنية
Comments
Post a Comment