تشير كل الدلالات الى أن الرئيس نبيه برّي أبرز معرقلي وصول العماد ميشال عون الى سدّة الرئاسة، علماً أن عدداً من الأحزاب والكتل والفاعليات يتلطى خلف موقف برّي، ليبدو أنه واضع الفيتو الأساسي. لكن هل حقاً يريد بري عرقلة وصول عون الى قصر بعبدا؟
من يعرف الرجل جيداً يدرك ان له هوامش حركة واسعة من ضمن الثنائية وخارجها، الا انه لا يحيد عن المسلمات والثوابت الوطنية وعن الخيارات الاستراتيجية التي تحمل في طياتها كل الضمانات. وتقول مصادر متابعة إن بري مؤتمن على مصالح آنية وسلطوية لجماعة كبيرة من الطائفة الشيعية، وحريص على الإبقاء على مراكز نفوذه في أي تركيبة يستقر عليها حكم لبنان، منذ أن تبوأ رئاسة مجلس النواب عام 1992. هادن رؤساء جمهورية وتصادم مع آخرين، الا انه لن يذهب الى العبث بالإستراتيجيات التي تحمي المكون المقاوم المستهدف. فهو مؤتمن على المقاومة كما أنه يعرف جيداً أن ثمن العبث باهظ في هذه الأيام، إذ منه تنفذ كل الاستهدافات.
هذا هو الوصف الصحيح لحركة بري الارتدادية على التفاهم السياسي الذي يدفع بترشيح عون. والواقع أن المطلوب ترتيبات معينة مع رئيس المجلس قد لا ترتقي الى مصاف الضمانات السلطوية، بل الى مستوى التطمينات، ولا سيما أن حساسية بري تتجلى دائماً على مستويين: الاول أن يفضّل أي مسؤول طرفاً من الثنائية على آخر، ولا يكون هو الطرف المفضل سلطوياً، والثاني أن يفضّل أي مسؤول قطبا سياسيا آخر على سواه.
ووفق شخصية ليست بعيدة عن خيار الرابية، أنه لا يتعذر على العماد عون الذي احترف منذ زمن الانفتاح والاستيعاب، أن يبدد هذه الإشكالات ويعالجها، فتطمئن نفس المتوجس الى أن مصالحه في الدولة لن تكون مستهدفة ما دامت تندرج تحت سقف القانون الذي يجب أن يسود الجميع من دون استثناء، إن أردنا فعلاً أن نرسي دولة القانون، وبالتالي دولة المحاسبة والمساءلة. لذا من المنتظر، وفقاً للمعلومات، أن يصار الى أن يتبنى زعيم "المستقبل" ترشيح عون، وأن يبادر عون، بصفته "المرشح الطبيعي الميثاقي"، الى التواصل مع بري بهدف وضع الأختام على الاستحقاق الرئاسي، بمعنى وضع حدّ للفراغ، إذ يجب ألا نغفل ذلك في تحويل معركة النصاب الى معركة متاريس في وجه من كان يرغب في اقتناص الرئاسة من خارج الميثاق.
وعلى هذا، فإن الخطاب المنتظر من عون غدا الأحد، والذي يحمل في طياته عصارة التجارب القاسية التي تحدو بالرجل على توسّل الميثاق، ليس إلا لبلوغ رئاسة الجمهورية وتأمين حقوق المكونات الوطنية كاملة في ضوء الميثاق، يجب ان يفهم مهما كانت نبرته ومهما كان مضمونه، على أنه صرخة ونداء الى كل من يغلّب المصالح الآنية والشخصية والسلطوية على مصلحة لبنان العليا. وبالتالي سيجد هذا الخطاب، الذي لا يمكن أن ينفصل عن رمزية 13 تشرين، آذاناً صاغية لدى المخلصين في هذا الوطن، مهما كانت آراؤهم او رهاناتهم أو خياراتهم بالنسبة الى شخص المرشح أو الرئيس الذي يرغبون فيه، لأنهم لا بد أن يعوا دقة المرحلة وجدية التحديات. وتتوقف الشخصية عينها عند قول السيد حسن نصرالله "فلننعتق عن المحيط الملتهب الذي نحن فيه ولننج بلبنان من أتون النار ولنذهب الى استحقاقاتنا الدستورية بقلب منفتح وباستيعاب".
أما الانفتاح الذي يُتهم عون و"التيار الوطني الحر" باعتماده بغية الوصول الى رئاسة الجمهورية، فتشدد الشخصية عينها على أن الانفتاح بدأ مع الجنرال، كما الاستيعاب قبل الترشيح بسنوات، ومن تمكّن من التفاهم مع "حزب الله" ثم مع "القوات اللبنانية" بعد عقد من الزمن تقريباً، لا يمكن أن يكون انفتاحه طارئاً بسبب الطموح الطبيعي، بل هو لصيق به، بدليل ان الرابية استقبلت "المستقبل" بعد افتراق متقطع ولن يصعب عليها أن تضمّ في انفتاحها سيد عين التينة وزعيم بنشعي وزعيم المختارة.
aline.farah@annahar.com.lb
Twitter: @aline_farah
Comments
Post a Comment