Skip to main content

وردي، عبد الخالق، ومايو حبيب----- د.عبد الله علي إبراهيم

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
وردي، عبد الخالق، ومايو حبيب
د.عبد الله علي إبراهيم
حكى لي الأستاذ محمد وردي خلال دورة انعقاد المؤتمر السنوي لجمعية الدراسات السودانية الأمريكية في 2002، أنه، وفي صحبة المرحوم الشاعر علي عبد القيوم، التقى بأستاذنا عبد الخالق محجوب بعد صدور بيان الحزب الشيوعي في ليلة 25 مايو الذي حلل الانقلاب للشيوعيين فالناس كافة. ويبدو أن وردي كان مثلنا جميعاً قد وجد البيان بارداً لحد الجفاء أو حتى العداء. فقد نسب البيان الانقلاب إلى البرجوازية الصغيرة الموصوفة عند الماركسيين بلين الركب والمخاطرة التي قد تؤدي إلى التهلكة. كما دعا البيان إلى دعم الانقلاب واشترط له النقد المستقل من منبر الحزب الشيوعي. ويبدو أن مشكلة وردي كانت هي: كيف يمكن أن يغني بلسان وينقد بنفس اللسان مما لا تحتمله أغنية أو نشيد. وقال وردي إنه سأل أستاذنا قائلاً:
- يعني نعمل كيف يا أستاذ. نغني ليهم نص نشيد ويفتح الله.
وقال وردي إن أستاذنا لقي اعتراضه بغير بشاشته القديمة معه. وكان أستاذنا يَوُدُّ وردي ويحتفي به حتى أنه راجعه في قراره الانضمام للحزب. فقد نصح أستاذنا الفنان بأن يُطْرب الشعب ويضمخه بعطر المعاني الفرعاء حيث هو كفنان. وأضاف أستاذنا قائلاً إنك إذا دخلت معنا حمّلناك جردلاً لتكتب شعارات الجدران أنصاص الليالي. وإذا تغيبت رفدناك في لمح البصر.
ولم يطرب أستاذنا لاعتراض وردي هذه المرة. وقال باقتضاب:
- هذا تحليل سياسي للانقلاب. وهو في ذمتي كسكرتير عام حارس لسلامة تكتيكات
الحزب. ولست مختصاً بنصح الفنانين والكتاب والشعراء وغيرهم في أشغالهم. ليفعلوا
ما بدا لهم.
كنت ذكرت أنني استقبلت نبأ انقلاب مايو بفرح شديد. واشتركت في مظاهرة تلقائية في مدينة بحري اعترضت طريقي. وحين قرأت بيان الحزب في تلك الأمسية قلت لرفاقي في الخلية السياسية إن هذا بيان بارد لم يقتبس من تلقائية الفرح بالانقلاب التي تفشت بين قطاعات من الشعب. ولم تنس الزميلة سعاد إبراهيم أحمد عبارتي هذه وذكرتها في لقاء لها مع جريدة "ظلال" في أوائل عقد التسعين. وعبَّرتُ عن هذا النبض الخاص بالتغيير السياسي الانقلابي في كلمتي "الغزل بجمع المذكر السالم في الثورة" ألقيتها في مناسبة احتفال بالانقلاب جرى في حي الضباط بأم درمان. وسيجد القارئ في الكلمة مزاجاً انقلابياً بداية بسخريتي من الانتخابات ورموزها وجدواها.
بدا لي أن أستاذنا انزعج لانسياقي وراء الانقلاب بغير احتراز. وكنا قد تعارفنا عن قرب منذ عام 1968 في إطار فهم مشترك (كنت أشكو له بأساء الحزب وهو يؤطر ما أشكو منه في سياق عمومي) بوجود أزمة عمل قيادي فاقعة لم ترتفع بالحزب إلى النفاذ إلى محتوى ورمز ثورة أكتوبر 1964. وأذكر أنني زرت أستاذنا بعد الانقلاب لقضاء حوائج لرفيقنا المرحوم عبد الله محي الدين الحسن (رحمه الله وأحسن إليه بقدر ما أسدى لأهله في الداخلة الخضراء وعطبرة الغراء). ولما فرغت من هذا الأمر أخذني أستاذنا جانباً نحو ممر بمنزله. ودامت خلوتنا نحو عشر دقائق شرح لي فيها نقاط الخلاف بينه وبين رفاقه في قيادة الحزب ممن شايعوا الانقلاب. ولا أذكر عشر دقائق أخرى في حياتي تعلمت فيها مثل علم أستاذنا النافع، أو غيرت حياتي مثلها. فقد قررت بعدها التفرغ للعمل الثقافي بالحزب.
إذا فكرنا بأخرة ربما قلنا إن بيان الحزب مساء 25 مايو كان محتاجاً إلى إعادة صياغة ليقول نفس الشيء بغير لؤمه الواضح. لربما احتاج البيان إلى تعنيف الرجعيين على إساءتهم للديمقراطية حتى زهد فيها الناس. وربما استصحب ذلك بالتزام التحالف الانقلابي الحاكم الجديد بالعودة إلى الديمقراطية الليبرالية بعد إصلاح ما أفسدته الأحزاب. وهذا معنى قديم في الحزب شددت عليه وثيقة " قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" الصادرة في 1968. وكان هذا الموقف سيشكل الفارق بين المايويين، ممن أخذوا مصطلحهم من الناصرية ذات الحزب الواحد، وبين الشيوعيين ممن لم ينكروا أبداً الديمقراطية الليبرالية. وحين ضاع هذا الفارق تشابه البقر المايوي لدى الأحزاب وأكثر الناس. وكان هذا المعنى مواتياً لو اتسع البيان ولم ينشغل بالنزاع الناشب في الحزب بين فريق الانقلابيين، الذين نجحوا بثورة نميري، وبين دعاة العمل الجماهيري الذين خابوا. وهذا أمر معقد أكتفي فيه بهذه العجالة. وهو متصل بذوق الشيوعيين الدقيق للديمقراطية الليبرالية التي أفرد له صديقنا الصدوق كمال الجزولي كتاباً معروفاً.
إنني مدين لأستاذنا عبد الخالق بتلك الدقائق العشر التي غيرتني جداً. فقد أخذني من غرارة سياسية تمتع بها النفر الموصوف بالمثقف في الحزب. فقد كنا برغم سمعتنا الشيوعية الداوية ننفر من قراءة وتدارس وتفهم تكتيكات الحزب لأنها، عندنا، مما يكتب للعامة والعمال ومحدودي المصادر الثقافية. أما نحن فلنا العالم كله. وحين وقع الانقلاب فوجئنا به، أو في الحقيقة تمنيناه، بينما كان الحزب (أو أستاذنا عبد الخالق) قد استعد له بصورة واقعية في دورات اللجنة المركزية التي سبقته. ولذا جاء بيانه بارداً قاطعاً في حين اضطربنا معشر المبدعين في مصطلح الشعر وحماسة الغناء التي هي، وسيف التاريخ مصلت على الرقاب، السراب الذي يحسبه الظمآن ماء.

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe