ما السرُّ في أنّا جميعاً نشتكي؟
***
قصيدة للشاعر والسفير العراقي السابق سمير الصميدعي
تعليقاً على الأمسية الشعرية ل"مركز الحوار العربي" - الأربعاء 21-3-2018
***
***
عن الندوةٌ الشعرية
وصلني "رابطٌ" عن ندوةٍ شعرية أقامتها مؤسسة "الحوار" في واشنطن، اشترك فيها ثلاثة شعراء مخضرمين أولهم الشاعر وليد كيلاني من فلسطين تلاه الشاعر يوسف عبد الصمد من لبنان ثم الشاعر قاسم الوزير من اليمن ، وكان موضوع الندوة "ألأمة والأُم" فاستمعت اليها بشغف ولفت نظري التشابه في المشاعر والهموم التي عبّر عنها هؤلاء الشعراء فدعاني ذلك إلى كتابة هذه القصيدة:
عبَرتْ فضائي ندوةُ الشعراءِ
|
فنهلتُ من أبياتها الغرّاءِ
| |
لم أروَ منها ، بيد أنَّ نثارها
|
بلَّ الجوى فتلطَّفت أجوائي
| |
شـــــــــيطانُ شعري كان في إغفاءةٍ
|
فصحا وزالتْ غمْرةُ الإغفــــــــــاءِ
| |
وتيقَّظتْ فيه اللواعجُ وانبرى،
|
وقد استفاقَ ، يُلِحُّ بالإملاءِ
| |
فشرعتُ أكتبُ والحروفُ تسابقت
|
مثلَ القَطا يأتي غديرَ الماءِ
| |
فيها مزيجٌ من دمي وجوارحي
|
وتـــــــــألُّــــمي وتـــــــــأمُّلي ورجـــــــــــائي
| |
أبياتُهُم صُبِغتْ بنزفِ جروحِهم
|
وأنــــا تضرَّجَ بالنجيعِ غنائي
| |
نطقَتْ فلسطينُ التي عاشتْ بنا
|
رمزاً وظلَّت أعظمَ الأرزاءِ
| |
سبعون عاماً في انكسارٍ دائمٍ
|
وتــَــــــقهقُـــــرٍ وتَبلبُـــــــــلٍ وبـــــلاءِ
| |
ومن الأشقاء الذين تنافسوا،
|
يُبدونَ نُصرتـــَــها على الأعداءِ
| |
شـبِعتْ شعاراتٍ وعاراتٍ وما
|
كسبت سوى الخذلانِ والضوضاءِ
| |
فإذا انجلتْ شَخَصوا، وإن حُمَّ الوغى
|
لبِســــــــــــوا له طاقيَّــــــــــــــــــة الإخفاءِ
| |
لم يبقَ في يدِها سلاحٌ غيرُ ما
|
يُدعى له من دولةٍ شوهاءِ
| |
جَنَحَتْ إلى السِلمِ الكسيحِ لأنها
|
عُزِلتْ ولم تكُ قبلُ بالعَزلاءِ
| |
أنَّتْ فجاءَ أنينُها من شاعرٍ
|
من صُلبِها، ذي دُربةٍ، مِعطاءِ
| |
غنّى السلامَ إذا أتى بعدالةٍ
|
لا إن أتى بالقســــــــــرِ والإملاءِ
| |
فَأجابَ من لبنانَ صوتُ ضميرِهِ،
|
وكأنهُ رجْعُ النشيجِ النائي
| |
لهجَتْ به القِمَمُ العصيّةُ والرُبى
|
وأصاخَت الوديانُ في البطحاءِ
| |
شعرٌ غزيرٌ نابضٌ من شاعرٍ
|
فــــَـــذٍّ يُدبــــِّــــجُــــهُ بغيرِ عَنــــــــــــاءِ
| |
صادَ المعاني النافرات بشعرِهِ
|
يضفي عليه طلاوةَ الإلقاءِ
| |
وتَلاهُما اليمنُ التعيسُ الــمُبتلى
|
المنكوبُ بالجيران والأبناءِ
| |
قد كان موطنَ عزَّةٍ وسَعادةٍ
|
فغـــــــدا مقــــــــــامَ البؤسِ والبؤَســــــــــــاءِ
| |
وافى بشعرٍ زيّنتهُ بلاغةٌ
|
ونجـــــــــــابةٌ تســــــــــمو على الإطــراءِ
| |
صدقُ المشاعرِ فيه يكشفُ قصدَه
|
مثــــــل الطريقِ يُنــــــــــــارُ بالأضـــــــواءِ
| |
أما أنا، فقد انتهيتُ مهاجراً
|
كي لا أعيشَ مهانةَ الإقصاءِ
| |
في غُربتي وطنٌ، وفي وطني الذي
|
فارقتُهُ صُنِّفتُ في الغُرَباءِ
| |
بغدادُ فيها نشأتي وولادتي
|
منها رضعتُ تولُّعي ووفائي
| |
كانت عروساً تزدهي بجمالها
|
عَكفَتْ كأُمي تعتني بنمائي
| |
ستون عاماً وهي راكعةٌ وقدْ
|
وُطِئت بغزوِ عساكرِ الغوغاءِ
| |
واليومَ تلقاها مثالَ تخلُّفٍ
|
وتفسُّـــــــــــخٍ وتهــــــــافُتٍ وريــــــــــاءِ
| |
فترى العمائمَ واللحى موفورةً،
|
والصدقَ والإخـــــــلاصَ كالعنقــــــــــاءِ
| |
السَلبُ والترهيبُ مهنةُ حارسٍ
|
والكذبُ شــــــغلُ وكالـــــــةِ الأنبـــــــاءِ
| |
الجهلُ والتجهيـــــل صــــــــــارَ ديـــــــانةً
|
والعلـــــــمُ والتنـــــويرُ محــــضَ هــُـراءِ!
| |
بتدهور الأخلاق كلُّ ذميمةٍ
|
تنمو وتُنشَرُ فهو أُسُّ الداءِ
| |
أخلاقُ شعبٍ سُلَّمٌ إن هُذِّبت
|
يرقى وإن هبطتْ يعشْ بشقاءِ
| |
قد كان يكتمل "النصاب" بشــــــــاعرٍ
|
من ليبـــــــيا المكروبةِ النكداءِ
| |
وبشاعرٍ من سوريا وجحيمها
|
منها استجارَ الشعبُ بالرمْضاءِ
| |
أشجانُنـــــــــا هي عينُهـــــــــا وقلوبُنــــــا
|
تصبو إلى عينِ المدى الوضّاءِ
| |
ما السرُّ في أنّا جميعاً نشتكي
|
خللاً كأنَّ عذابَــــنــــــــــــا بقضاءِ؟
| |
الكلُّ يلعنُ في "القيادةِ" جَورَها
|
إذْ جُلُّهم دانوا لهــــــــــــــــــــــــا بولاءِ
| |
هي منهُمُ في غيِّهــــا وفســــادِها
|
هُمْ من يوطِّــــــدُها على النَكراءِ
| |
"نُخبٌ" تَفيدُ من الضلالِ وتدَّعي
|
زهداً لتقنصَ فرصةَ الإثراءِ
| |
إنْ هُمْ أُصيبوا بالعمى فبَصيرُهُم،
|
في أفضلِ الأحوالِ، كالعشواءِ
| |
فتراهُـــــــــــــــــمُ غابـــُـــــــــــــــــــوا بغيبيّــــــــــــــاتِهِم
|
يسترشــــــــدون بمعشـــــــــــــــــرِ "الفقهــــاءِ"
| |
أنظارهُم شَخَصت إلى الماضي فهُمْ
|
يَســـــــــتحضِرونَ عـــــَـداوةَ الخُصَمـــــــــاءِ
| |
ويفوتهم منه الكثيرُ سوى الذي
|
يُفضي إلى التجريحِ والبَغضاءِ
| |
يتعثّرون بحِقدِه في غِفلةٍ
|
عمّــــــــــــــا يدورُ بعالــَــمِ الأحيــــــــــــاءِ
| |
هو عالــــمٌ سَبرَ النجومَ وأصلَها
|
بســـــــــــــديمِها وثقوبـِــــهـــا الســــــــــــوداءِ[1]
| |
شرحَ الحياةَ مبيِّناً لَبِنـــــاتِها
|
فتكشَّـــــــــــــفتْ بســــــــــــــلاســــَــــــــةٍ وجلاءِ
| |
ليزيــــــــدَ رَفــــــــــــــــدَ ذكائِــــــهِ بذكاءِ
| ||
هو عالمٌ لم يبقَ فيه مقدَّسٌ
|
إلا قريــــــنَ أمــــــانةٍ ونقـــــاءِ
| |
هو عالــَـــــمٌ متوثبٌ متسارعٌ
|
لامنتهي الآفــــــــاقِ والأرجـــــــاءِ
| |
تتنافس الأقوامُ فيه ، سِلاحُها
|
عِلمٌ وتقنيــــــــةٌ وحُســـــــنُ أداءِ
| |
فليُدرِك اللاهونَ عن أحوالِهم
|
بموائدٍ قد أنذرَتْ بفناءِ:
| |
لا مِنْ سبيلٍ غيرَ نبذِ جهالةٍ
|
والاعترافِ بسالفِ الأخطاءِ
| |
مَنْ يلحقِ الركبَ الرشيدَ يكنْ لهُ
|
أملٌ يؤمِّــلُهُ وبعضُ رجاءِ
| |
أمّا الذي اختارَ القعودَ بجهلِهِ
|
فيكونُ أغبى مبتلٍ بغباءِ
| |
شكراً وإعجاباً إلى شعرائنا
|
وإلى "الحوارِ" لدعوةِ الشعراءِ
| |
سمير شاكر الصميدعي
بكين، مارس (آذار) 2018
[1] Black holes
2 إشارة إلى الذكاء الاصطناعي أو Artificial Intelligence
============================================================================================================================
تسجيل لأمسية "مركز الحوار العربي" على شبكة الأنترنت
يوم الأربعاء 21-3-2018 "قراءات شعرية حول الأم والأمة"
اشترك في الأمسية كل من:
===================
لسماع التسجيل يجب وضع "الباسوورد":
HewarOnline2132018
على هذا الرابط:
|
Comments
Post a Comment